adstop



سوف تقدم المملكة المغربية في منتصف السنة الحالية   أو قبل دخول سنة 2018، على تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي المتمثلة في تعويم العملة المحلية أو بمعنى أخر تحول سعر العملة من مرحلة الثبات الى مرحلة المرونة ،وخضوع سعر صرف العملة لتقلبات السوق من عرض وطلب.
وكانت وزارة الإقتصاد والمالية قد إجتمعت خلال الأشهر القليلة الماضية بممثلي صندوق النقد الدولي،حيث تم طمأنة المغرب ودعوته للسير قدما في التحرير التدريجي لسعر العملة كمرحلة أولية غير محددة المدة ،في أفق التحرير الكلي في المستقبل المنظور.
وبإعتبار المملكة المغربية تعتبر من الدائنين المخلصين لصندوق النقد والبنك الدوليين ،هاتان المؤسستان التي واكبتا المملكة منذ ثمانينات القرن الماضي ،حين إعتمد المغرب سياسة التقويم الهيكلي بسبب قرب إنهيار الإقتصاد الوطني وإرتفاع الدين الخارجي ،بالإضافة الى العجز الحاصل بميزان الصادرات والواردات،وكما يعلم جميع المغاربة،مباشرة بعد الدخول في سياسة التقويم الهيكلي تلك ،دخلت الدولة المغربية في مرحلة حرجة إقتصاديا وطبقت برنامج تقشفي بإمتياز وإنخفضت العملة الوطنية وإرتفعت أسعار المواد الغذائية لمستويات تجاوزت الخمسون في المائة من قيمتها الحقيقية ،كما تم فرض رسوم تسجيل على التعليم الثانوي والجامعي،بما قيمته المالية حينذاك ب 50 درهم للأولى،و100 درهم للثانية ،مما جعل البلاد ،وخصوصا مناطق الشمال تدخل في دوامة إحتجاجات شعبية وصلت شظاها حتى مراكش،واجهتها القوات العمومية بالحديد والنار،وخلفت تلك المظاهرات والمواجهات ما خلفته من مآسي إنسانية وإنتهاكات حقوقية لازالت تبعتها حاضرة للآن بنفسية أهالي المتضررين.
المغرب سائر بقوة في تطبيق قرار تحرير العملة الوطنية ،ويقدم في مبرراته جملة من الأمور في مقدمتها،كون تحرير العملة سينعكس بقوة على الإقتصاد الوطني وسيجعل من المملكة أكبر جاذب للإستثمارات الأجنبية ،كما يراهن على إستقطاب أكبر عدد من سياح العالم ،وبالتالي إنعكاس هذين العاملين بقوة على الإقتصاد ،وجعل القطاع المالي شريك أساسي في هذه العملية وخصوصا بورصة الدار البيضاء التي بواسطتها ستتدفق الكثير من رؤوس الأموال العالمية وبالتالي المساهمة في الرفع بشكل قوي من إحتياطي العملات الأجنبية خاصة الأورو والدولار ،كما عملت الحكومة على الطمأنة، بالتأكيد على أنها قامت بإتخاذ تدابير إجرائية منذ سنة 2012 ،وتمثلت هاته التدابير في إصلاح قانون الأعمال، بحيث سيتم تقديم إعفاءات ضريبية جد هامة لكل المستثمرين تصل إلى حد 36 شهرا من تاريخ الشروع في تنفيذ الإستثمار،وتخفيض الضرائب بنسبة 10 في المائة على كل الشركات التي يتجاوز رأسمالها 300 ألف درهم،كما أن التبرير الأبرز يتمثل في ترقي المملكة لسلم مناخ الأعمال وجلب الإستثمارات بحسب تقرير للبنك الدولي لسنة 2016 ،حيث بوأ المملكة المغربية المرتبة الأولى على المستوى المغاربي،والمرتبة الثالثة على المستوى الإفريقي.
وعلاقة بموضوع إستقطاب السياح العالميين،فإن كانت الحكومة السابقة قد فشلت في جلبهم رغم الظرفية الصعبة التي عانت منها الدول المنافسة خصوصا مصر،تونس، خلال السنوات الماضية ،فهل مع إنخفاض قيمة العملة المحلية ستتمكن الحكومة الحالية من إستقطابهم؟.
وهل يمكن القول أن الحكومة المغربية وضعت إجراءات وقائية لحماية القدرة الشرائية للمواطنين البسطاء كما صنعت مع قوانين مناخ الأعمال؟.
وهل وضعت الحكومة المغربية في حسبانها التحديات والتقلبات الإقتصادية التي من الممكن أن تؤذي شريحة عريضة من المواطنين؟.
فبحسب إحصائيات رسمية لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية ،فإن نسبة المغاربة الذين يعيشون ب دولارين في اليوم تتعدى مانسبته ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة، كما تضيف نفس الإحصائيات المرعبة أن مانسبته 1،8 في المائة من نسبة الساكنة البالغة 34 مليون نسمة، تعيش تحت عتبة دولار واحد في اليوم،هذا دون الخوض في غالبية اليد العاملة المغربية الكادحة والتي تتوفر على الحد الأدنى للأجور ،بالإضافة للطبقة المتوسطة التي بدورها تعاني بقوة ،بفعل السياسة الاصلاحية الحكومية التي همت بالأساس إصلاح أنظمة التقاعد وماخلفه الأمر من إقتطاعات جد مهمة.
وهل كل هذه الفئات ، تم إستحضارها كذلك ووضعت لها الحكومة برامج مواكبة خاصة؟.
نستحضر هذه التساؤلات والتي شملت مختلف الطبقات الإجتماعية الغالبة على الهرم السكاني للبلاد ،ونحن نلحظ مايحصل للشعب المصري الذي سبقنا لتحرير كلي للعملة ،وخلف هذا الإجراء، معاناة للمواطنين وإرتفعت الأسعار بقوة وإنخفضت قيمة العملة المحلية بنسبة تصل أحيانا حتى الخمسين في المائة .
روسيا وبإعتبارها من الدول العظمى عمدت إلى تحرير عملتها "الروبل" سنة 2014 ،ولكون الإقتصاد الروسي قوي جدا ومتنوع في مصادره ،فإنه رغم معاناته المرارة لسنتين ،إلا أنه إستطاع الخروج مؤخرا ولو بصعوبة كبيرة من عنق الزجاجة .
البرازيل بدورها عانت بها الطبقات الشعبية معاناة جد قاسية  لمدة تجاوزت الخمس سنوات، حتى تمكنت من الوصول لبر الأمان وأصبحت من الدول الصناعية الصاعدة بقوة،بفضل حكمة وروية الرئيس البرازيلي السابق العظيم "لولا دا سيلفا".
أما بلاد الراحل شافيز ،وبحكم أن صادراتها تعتمد بالأساس على البترول ،فقد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق نتائج مجدية عن طريق تحرير عملتها الوطنية بسبب إنخفاض سعر البترول في الأسواق العالمية .
سقت هاته النماذج كمرآة لترى المملكة ،ونرى أين نحن من هذه الإقتصاديات ؟.
فإن كانت روسيا وهي دولة قوية وموارد طبيعية وفلاحية متنوعة، قد عانت لسنتين،فماذا نحن فاعلون؟.
أبالفعل سيكونوا مهندسوا السياسة المالية والإقتصادية داخل البلاد في الموعد ،وستمر الأمور بردا وسلاما على القدرة الشرائية للمواطنين،أم أننا سنكتوي بنار الأسعار لسنوات قادمة، قاتمة.
وبين التشاؤم والتفاؤل في عملية تحرير العملة،سنرى ما سيفعله بنا مسؤولوا الوطن.

إسماعيل أجرماي 

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
وجهتكم © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top