adstop

اللَّبنةُ الأولى في بناء أي مجتمع، هي الأسرةُ، فإذا كانت هذه اللبنة مفكَّكةً منهارةً، فلا بد أن يكون المجتمع مفكَّكًا منهارًا.وإذا كانت هذه الأُسرة صُلْبةً متماسكة، فلا بد أن يكون المجتمعُ المتكوِّن منها صُلبًا متماسكًا كذلك.ولَمَّا كان الإسلام الحنيف يعمل على تكوين المجتمع الإسلاميِّ القوي، فقد حرَص على تدعيم اللَّبِنة الأولى في البنيان الاجتماعي، وهي الأسرة، وعمل على إسعادِها وعلى تقوِيتها.وفي هذا الصَّدد جاء بالمبادئ والقوانين التي تعمل على إحكامِ العَلاقات والروابط داخل الأسرة، وعلى تقويتها وحِفظها من الضَّعف والانهيار، وأوجبَ على المجتمع أن ينفِّذ هذه المبادئ والقوانين.قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].ففي مجالِ العَلاقة بين الزَّوجين يحرص الإسلام على أن تكونَ هذه العلاقةُ أقوى ما تكونُ. 
ولهذا كان الزَّواج في الإسلام مؤسَّسةً اجتماعية دينية، يدخل فيها الرجل والمرأة قصدًا لتحقيق مصالح مشتركةٍ بين الطَّرَفين. وأهمُّ هذه المصالح بالنسبة للزَّوجين هي توفير وضعٍ اجتماعي، يتمتع فيه الطَّرَفان بثمرات المودَّة والمحبَّة، وإرضاء النَّزعات الطبيعية للإنسان بصورةٍ كريمة مستقرَّة. كما يُرضِيانِ الغريزة الوالديَّة التي تتطلَّع دائمًا إلى الأولاد، وتدفع إلى العناية بهم، وتوفير أسباب النُّمو والازدهار لهم. وبالنِّسبة للأولاد، فالأسرة - الزَّوج والزوجة - البيئةُ الطَّبيعية الضرورية لوجودهم وحصولِهم على أسباب النُّمو العقليِّ والجسمي، والفِكْري، والوعي الثقافيِّ، ولا شك أنَّ أوضاع الأسرة الإسلامية، قد أخذت الطابَع الأصيل الذي يجعلها خيرَ وسيلة لأغراض الأسرة ومهمتها في المجتمع. ولهذا كان الزواجُ في الإسلام ﴿ ميثاقًا غليظًا ﴾، وعهدًا متينًا، ربطَ الله به بين "رجُلٍ وامرأةٍ"، وأصبح كلاهما يسمَّى زوجًا، بعد أن كان فردًا. قالَ اللهُ - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20، 21]. 
والذي يتتبَّع كلمة "ميثاق" ومواضعَها التي وردت فيها، لا يكاد يجدُها تأخذ مكانها في التعبير القرآنيِّ إلا حيث يأمر الله بعبادته وتوحيده، والأخذ بشرائعِه وأحكامِه. ويستطيع الباحثُ والمتتبِّع لكلمة "ميثاق" وقد جاءت في شأن الزَّواج، أن يُدرك المكانة السَّامية التي وضع اللهُ الزواج فيها. 
قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وهذا الميثاقُ الذي ربط الله به بين الزوجينِ، أُقيمَ على ركائزَ: من التعارف، والمودَّة، والرحمة، والعِفَّة، والكرامة، والصِّيانة. وهذا هو الزَّواج الإنساني في وضعه الصحيحِ من جهة الأفراد، ومن جهة المجتمع. وسبيلُ مودَّة ورحمة بين الرجُل والمرأة. وفضيلةُ هذه العلاقة بين الرجل والمرأة أنها عَلاقة سكَنٍ، تستريح فيها النفوس إلى النفوس، وتتَّصل بها المودَّة والرحمة، والمشاركة القلبيَّة والوُجدانية. ومن ثم يراد الزواجُ؛ لتهذيب النفس الإنسانية، واستزادة ثروتها من الرَّحِم والرحمة، ومن العطف والسموِّ، ومن مساجلة الشعور بين الجنسين بما رُكِّبَ فيهما من تنوُّع الإحساس، وتنوع القدرة على الإيناس والحُبِّ؛ ولهذه الركائز راعى الإسلام أن تؤسَّسَ الأسرةُ منذ البداية على الرَّغبة والرضا والاختيار [1]. فوضَعَ عناصرَ أصيلةً لبناء الأسرة السليمة وتكاملها في المجتمع الإسلامي، وهذه العناصر إذا رُوعِيت، كانت قوَّةً للأسرة الإسلامية، وتدعيمًا ونجاحًا، ووصلت الأسرة المسلمة إلى ذُروة ما قدِّر لها من الاستقرار والأمن. وهذه العناصر نجدها في الترغيب في الزواج، والاهتمامِ بحسن اختيار كلٍّ من الزوجين للآخر، وحقوقِ الزوجة على زوجها، وحقوقِ الزَّوج على زوجته، ومكانةِ الزَّوج في الإسلام بالنسبة لزوجته، والحقوقِ المشتركة بين الزَّوجين، وعلاجِ ما يحدث بين الزَّوجينِ من خلاف، وسنتناولُ كلَّ عنصرٍ بكلمة خاصَّة تتبين من خلالها مزايا الإسلامِ وتشريعِه الخالد في حفظِ الأُسرة، ووضْعِ المرأة في مكانِها اللائق بها؛ حتى لا تتعرَّض للابتذال والارتخاص، والميوعة والانحلال، وحتى لا تكون في وضع الطَّريد. الترغيب في الزواج:
قال اللهُ -تعالى-: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [الرعد: 38]. قال ابنُ كثير في التعليق على هذه الآية: "يقول اللهُ: كما أرسلناك يا محمَّدُ رسولاً بشريًّا، كذلك قد بعثنا المرسلين قبلك بشرًا: يأكلون الطعام، ويَمشون في الأسواق، ويأتون الزَّوجات ويُولَد لهم، وجعلنا لهم أزواجًا وذريةً"[2]. وقال -تعالى-: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3]. وقال -تعالى-: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32]. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فقال أحدُهم: أمَّا أنا، فإني أصلِّي الليل أبدًا. وقالَ آخرُ: أنا أصوم الدهر ولا أُفطر. وقال آخرُ: أنا أعتزل النِّساء فلا أتزوَّج أبدًا. فجاء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أمَا واللهِ إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأُفطر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوَّج النِّساء؛ فمن رغب عن سنَّتي، فليس مني))؛ رواه الشيخانِ والنسائي. وعن أيوب - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أربعٌ من سُننِ المرسلين: الحياء، والتعطُّر، والسواك، والنِّكاح))[3]. وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((حبِّبَ إليَّ من الدنيا النِّساء والطِّيبُ، وجعلت قُرَّة عيني في الصلاة)). والإسلامُ بهذه النصوص الصريحة يُعرب في وضوحٍ عن دعوته إلى الزواج والترغيب فيه، فترتبط المرأة والرجل برباط يتمُّ عن طريق زواجٍ شرعيٍّ، وعقدٍ صحيح، تترتب عليه التزاماتٌ من كلا الطَّرفين. والإسلام الحنيف بهذا الأدبِ يتسامى بالمجتمع، ويصعد به إلى مراقي الاطمئنان؛ إذ الإسلام لا يعترف بالأمومة غير الشرعية؛ لأنه لا يُريد أن تَشيع في المجتمع الإنساني،؛ إذ بانتشارِها تختلط الأنسابُ من جانب، وتضيعُ الالتزامات الشرعية التي على الرجُل قِبَلَ الولدِ وأمِّه من جانب آخرَ. والمجتمع حينئذٍ لا يستطيع أن يتكفَّل بهذه الالتزامات نيابةً عن الآباء المجهولين.   

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
وجهتكم © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top