adstop

مفاجأة من العيار الثقيل فجرها الفاتيكان بإعلانه عن نية البابا بنديكت السادس عشر الاستقالة من منصبه نهاية الشهر الجاري، لتكون الأولى منذ زهاء ستة قرون وتحديدا منذ عام1415 والرابعة خلال تاريخ الكنيسة الكاثوليكية .رأس الكنيسة الكاثوليكية قال إن قدراته بسبب سنه المديد لم تعد تساعده على خدمة سفينة القديس بطرس بصورة ملائمة مؤكدا أنه اتخذ قراره بكامل إرادته وحريته ومدركا تداعياته الخطيرة، وبذلك سيصبح عرش روما خاويا اعتبارا من الساعة الثامنة من مساء يوم 28 فبراير / شباط 2013، وسيجري انتخاب بابا جديد، لكن ودون أي شك فإن هذا القرار له أسبابه السياسية مهما كان الحديث عن روحانيته، كما ستكون له تداعيات مختلفة في شتى المجالات لا سيما الوجودية.
البابا بنيديكتوس السادس عشر، واسمه عند الولادة جوزيف راتزنغر، تولى منصبه في 19 أبريل/ نيسان 2005 بعد وفاة سلفه يوحنا بولص الثاني، وقبل انتخابه بابا الفاتيكان شغل منصب رئيس مجمع العقيدة والإيمان، وبانتخابه لمنصب بابا الفاتيكان الــ 265 أصبح أكبر الباباوات عمرا عند تولي المنصب، منذ البابا كليمنت الثاني عشر الذي جرى انتخابه في عام 1730 . القرار المفاجئ تزامن مع استمرار الفضائح المالية والجنسية في الفاتيكان التي لم تستطع الكنيسة التستر عليها أو تبريرها ناهيك عن الماضي النازي المثير للجدل لبنديكت السادس عشر، وربما الملف الأهم والأكثر تسيسا كان ولا يزال ملف تهجير المسيحيين من المشرق منذ الغزو الأمريكي للعراق وصولا إلى قطف الإسلام السياسي لثمار ما يعرف بالربيع العربي، كما أن سنوات الرجل الذي لم يحظَ بشعبية سلفه على رأس أكثر المراكز الدينية تاثيرا في السياسة الدولية ولا سيما الاوروبية منها تميزت بندرة زياراته الخارجية ودفاعه عن مواقف الكنيسة في العالم الحديث، حيث تمتع الرجل بسمعة محافظ معتدل رفض إتباع طريق الكنيسة الليبرالية . الفاتيكان .. والوجود المسيحيي في المشرقلا أريد الغوص طويلا في التاريخ لكن الكنيسة الكاثوليكية بقبضتها الحديدية كانت على رأس الحملات الصليبية على بلاد المشرق في القرون الوسطى منذ أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر، في ذلك الحين رفع الغزاة الأوروبيون شعار الصليب متسترين بعباءة الدين المسيحي لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية واستعمارية توسعية كما قاموا بتدمير الكثير من الكنائس الشرقية والمشرقية، وهذا الواقع لم يتغير منذ ذلك الحين، فبعد حوالي ألف سنة عندما غزت القوات الأمريكية بلاد الرافدين زل لسان بوش الابن أثناء الحديث وقال إنها الحروب الصليبة الجديدة، واللبيب من الإشارة يفهم لا سيما وأن الحرب التي شنها المحافظون الجدد والمسيحية الصهيونية أدت إلى هجرة وتهجير مئات الآلاف من سكان بلاد الرافدين الأصليين بسبب الحرب الطائفية والتطرف الديني الذي غزّته قوات الاحتلال، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تدمير كيان الدولة العراقية وتشويه تاريخها.وكما كان قبل مئات السنين الواقع لم يتغير قيد أنملة، مسيحيو المشرق يقفون اليوم في صف أبناء أرضهم وتاريخهم مهما اختلفت العقيدة في الإيمان وأياً كان الغازي صليبيا أم وهابيا، وعليه فإن سياسات الفاتيكان تجاه الاضطهاد الذي يتعرض له مسيحيو المشرق تطرح الكثير من الأسئلة لجهة قدرة الكنيسة على التأثير في مراكز صنع القرار الدولية التي تدعم الإرهاب والتطرف، وعدم إقدامها على ذلك. نظرة سريعة إلى ما تعرضت له المقدسات المسيحية في ليبيا خلال الحرب الأطلسية وبعدها، وكذلك في مصر بعد وصول الإسلام السياسي إلى الحكم والتمييز الذي يتعرض له الأقباط، ناهيك عن القتل والتهجير في سورية لما يعرف في الأدبيات السياسية بالأقليات الدينية ومن ضمنها الوجود المسيحي في بلاد الشام، كل ذلك عوامل تجعل من الفاتيكان ورقة لا يستهان بها في معادلة موزاييك المنطقة المشرقية، لكن هذه الورقة وبرأي الكثيرين ممن يخصهم الأمر بشكل مباشر لا تستغل بشكل صحيح وهي تحمل أبعادا جيوسياسية أكثر من مضمونها الروحي المنتظر، الذي تجلى بعض الشيء خلال مشاركة بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة بشارة بطرس الراعي في مراسم تنصيب بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي في دمشق مؤخرا، وهي زيارة للعاصمة السورية تعرضت للكثير من الانتقاد لكنها حملت في طياتها رسائل سياسية بغير اتجاه تشير إلى الخطر الذي يهدد الوجود المسيحي في سورية مع تنامي دور القاعدة والتطرف الوهابي الذي يتوعد الآخر بالذبح. وانطلاقا مما سبق ورغم أن البابا المستقيل بحكم قراره الشخصي، زار الشرق الأوسط والأراضي المقدسة مرارا ودعا إلى السلام مؤكدا على الوجود المسيحي في المنطقة كأساس للحياة الاجتماعية وذلك في ظل التهجير الإسرائيلي والاضهاد من قبل المتطرفين والتكفيريين في الدول العربية، إلا أن سياسات الفاتيكان التي تعتبر كغيرها من المؤسسات الدينية مؤسسة سياسية بامتياز، كانت دائما ولا تزال موضع شك وتشكيك حتى إشعار آخر. في انتظار الدخان الأبيضفي الأول من شهر مارس / آذار المقبل من المتوقع أن يوجه عميد مجمع الكرادلة دعوات لكرادلة العالم أجمع للحضور إلى الكنيسة السيستينية قرب كاتدرائية القديس بطرس، وعندما ستغلق الأبواب ستبدأ عملية اقتراع الحبر الأعظم الجديد وهي عملية كنسية معقدة، وعند حصول أحد الكرادلة على الأصوات اللازمة يعلن انتخاب البابا للعالم الخارجي عن طريق إحراق أوراق الاقتراع بمواد كيميائية خاصة فيتصاعد دخان أبيض، وعند نهاية كل عملية انتخابية فاشلة تحرق الأوراق ويتصاعد الدخان الأسود.مسيحيو المشرق يتطلعون إلى رؤية الدخان الأبيض حيث تشير التوقعات إلى فوز الكاردينال النيجيري فرانسيس أرينزا أو الكردينال الغاني بيتر تريكسوت ليكون في حال فوز أحدهما أول بابا للفاتيكان ذا بشرة سوداء، وربما حينها سيكون لرئيس الكنيسة الكاثوليكية موقفا مغايرا من الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون في المشرق إلى جانب كل من يختلف من أبناء جلدتهم عن الغزاة على اختلافهم برأيه وإيمانه، وذلك رغم أن مسيحيي المشرق لا يربطون وجودهم على أرض أجدادهم إلا بتاريخ تعايشهم المشترك مع بقية مكونات مجتمعهم الذي يحاول البعض تدميره أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
وجهتكم © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top