الحمد لله الذي أنزل إلينا أفضل كتبه،وبعث إلينا خير رسله،وشرع لنا أكرم شرائعه،أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه واستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بعثه الله على حين فترة من الرسل فبصَّر به من العمى،وأسمع به من الصمم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:فأوصيكم أحبتي بسبب الأمان النفسي والمعيشي ألا وهو تقوى الله يقول ربكم جل في علا ه:{..وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}([1]) .بلغ العلا بكماله…أضاء الدجى بجماله..كملت جميع خصاله..صلوا عليه وآله .أيها الأحبة في الله كانت الخطبة الماضية في الحث على الإكثار من ذكر الله وعبادته وعدم الغفلة عنه وبإذن الله في هذه الخطبة والخطبة التالية أقف بكم على بعض أنواع الذكر المميز؛وموعدنا اليوم مع ذكر يجمع أهل الأرض وأهل السماء ، ذكر أمر الله به في كتابه في آيات تتلى إلى يوم القيامة حيث قال:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّون َعَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(2)؛قال البخاري:قال أبو العالية:صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة،وصلاة الملائكة الدعاء(3)قال ابن كثير:والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً(4) الصلاة والسلام على رسول الله تجارة رابحة لتجار الحسنات فأين الراغبون في ربح تلك التجارة أخرج الأمام مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((..فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ..)) فيالها من تجارة رابحة فبكل صلاة منك على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تحصل على عشر صلوات من قيوم السموات والأرض،ولما يصلي علينا الرحمن الرحيم؟ يخبرنا بذلك جل جلاله بقوله:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}(5)أيها الأحبة في الله إلى كل من يرجو شفاعة الحبيب المصطفى في يوم يجعل الولدان شيباً نقول له هاهو قد قدم لك طريق ذلك بقوله:{مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ}(6) أخرجه البخاري، إلى كل من تكاثرت عليه هموم الدنيا و أسرف على نفسه بالذنوب والخطايا ننقل هذا الحوار الذي تم بين الصحابي الجليل أبي بن كعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أبي:((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي فَقَالَ مَا شِئْتَ قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ النِّصْفَ قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ))(7)أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح،وفي رواية عند الإمام أحمد((قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ قَالَ إِذَنْ يَكْفِيَكَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ))(8)إلى كل من أراد أن يكون أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فليكثر من الصلاة والسلام عليه فقد أخرج الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:((أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً))(9)إلى كل من يرفع يديه متضرعاً إلى الله بالدعاء نقول له لقد نقل الإمام بن كثير عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك(14) إن خسارة المعرض عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فادحة فقد دعا عليه جبريل وأمن على دعائه المصطفى صلى الله عليه وسلم فعن كعب بن عُجرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((احضروا المنبر))فحضرنا فلما ارتقى الدرجة قال:آمين ثم ارتقى الدرجة الثانية فقال:آمين ثم ارتقى الدرجة الثالثة فقال:آمين،فلما فرغ نزل عن المنبر فقلنا:يارسول الله سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه فقال:((إن جبريل عرض لي فقال:بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يُغفر له فقلت آمين ، فلما رقيت الثانية قال :بَعُدَ من ذُكرت عنده فلم يصل عليك فقلت: آمين فلما رقيت الثالثة قال:بَعُد من أدرك أبويه الكِبَرُ أو أحدهما فلم يدخل الجنة فقلت آمين))(10)الذي يذكر عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يصلي عليه وصفه صلوات ربي وسلامه عليه بالبخل وكفى بها من مذمة فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ))(11) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب، وكم من الكتب والكتابات اليوم يطلع عليها المرء فيها من صفة البخل التي ذكرها صلى الله عليه وسلم فتجده يستبدل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد أو بحروف أخرى وكأن القلم الذي كتب ذلك الكتاب أو المطبعة التي طبعته ثَقُل عليها الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبخلت بها،أيها الأحبة في الله إن مجلساً لا يُصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم يكون على أصحابه حسرة وندامة يوم القيامة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ))(12)أخرجه الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،أمة الإسلام صلوا على نبيكم أينما كنتم فإن صلاتكم تصل إليه فقد أخرج النسائي وابن حبان والإمام أحمد بإسناد صحيح عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ))(13)أيها الأحبة في الله وإن من أفضل الأوقات التي حثكم فيها نبيكم وحبيبكم صلوات ربي وسلامه عليه من الصلاة والسلام عليه فيها هو هذا اليوم يوم الجمعة فقد أخرج النسائي عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:((إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَام))(14) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. الخطبة الثانيةالحمد لله على إحسانه والشكر له على جوده وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه .أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسولكم تفلحوا ، أيها الأحبة في الله لا يعجب أحدكم إذا خرج من باب المسجد فسمع من يقول إن خطيبا اليوم كشف عن حقيقته بأنه صوفي قبوري مبتدع؛وذلك لأن من الناس من ضاق أفقه وانتكست موازينه فأصبح يجعل من كل من يكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو يدعو إليها أويحبب فيها بأنه صوفي قبوري مبتدع حتى أنك تجده يمر عليه اليوم أو أكثر لم يصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة غير ما هو مفروض عليه في الصلاة،وفي المقابل هناك فئة من الناس هجرت القرآن وهو افضل الذكر وزعمت أنها انشغلت بالصلاة والسلام على رسول الله،ثم قادهم الشيطان إلى ابتداع صلوات من عند أنفسهم أو يقلدون فيها أئمة لهم ليس لها أصل في الشرع ولم ترد عن السلف الصالح فهناك الصلاة النارية والصلاة الفلانية والصلاة الفلانية؛ وتجد معظم هذه الفئة لا تتجاوز صلاوتهم على النبي صلى الله عليه وسلم حناجرهم فهم يدعون زوراً وبهتاناً حب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فإذا نظرت إلى هيئتهم وإلى سلوكهم لوجدت لحاً قد حلقت وثياباً قد أسبلت وكبائر من الذنوب قد ارتكبت فأين حب المصطفى الذي يولد الاتباع،فلما تاهوا عن طريق الحب الحقيقي انتقلوا من طريق الاتباع إلى طريق الابتداع،وقد سئل المصطفى صلى الله عليه وسلم يارسول الله عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك فقال قولوا :اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك وفي لفظ وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد هذه الصيغة التي في الصحاح ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية:فهذه الأحاديث التى فى الصحاح لم أجد فيها ولا فيما نقل لفظ ابراهيم وآل إبراهيم وفى بعضها لفظ إبراهيم وقد يجىء فى أحد الموضعين لفظ آل إبراهيم وفى الآخر لفظ إبراهيم ،وقد روى لفظ ابراهيم وآل ابراهيم فى حديث رواه البيهقى عن يحيى بن السناو عن رجل من بنى الحارث عن ابن مسعود…ثم قال وهذا إسناده ضعيف.(ج22/ص356)،وسئل رحمه الله:عن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم هل الأفضل فيها سرا أم جهرا وهل روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال إزعجوا أعضاءكم بالصلاة على أم لا والحديث الذى يروى عن ابن عباس أنه أمرهم بالجهر ليسمع من لم يسمع أفتونا مأجورين ،فأجاب:أما الحديث المذكور فهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم وكذلك الحديث الآخر وكذلك سائر ما يروى في رفع الصوت بالصلاة عليه…حتى قال:والسنة فى الدعاء كله المخافتة إلا أن يكون هناك سبب يشرع له الجهر(ج22/ص468).
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق