adstop

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وظهورها كقوة عظمى، كانت الولايات المتحدة ملامسة لكافة التغييرات التي تمت في الرئاسة المصرية: مؤيدة أو رافضة، محرضة أو شريكة.. اقتراب لافت يعكس الحلم الأميركي في التحكم بمن يجلس على مقعد الرئاسة بمصر.. التي توصف بأنها "قلب الشرق الأوسط ومفتاح أي تغيير فيه".
الاسبوع الماضي اتخذت الداخليه المصرية قرارا بمنع الزيارة عن الرئيس المعزول محمد مرسي والمسجون حاليا خوفا على حياته. لكن الدوائر العليمة ببواطن الامور فسرت القرار بان بعض المخابرات الغربية قد تلجا لاغتياله خوفا من افتضاح مؤامراتها على مصر في محاكمته. ومؤامراتها كثيرة وممتدة.
أولا: الرئيس عبدالناصر.. الحلم الأميركي
بمجرد نجاح الثورة المصرية صبيحة 23 يوليو/تموز 1952، توجه ممثل لمجلس قيادتها إلى السفير الأميركي جيفرسون كافري، وأبلغه رسالة بأن "النظام القديم قد سقط، وأن النظام الجديد يستهدف تحقيق الأماني الوطنية للشعب المصري".
عبر مايلز كوبلاند، ضابط المخابرات الأميركي في كتابه "لعبة الأمم"، عن الحلم الأميركي في أن يكون الرئيس المصري تابعا لواشنطن، فادعى أنهم شكلوا في مارس/آذار 1952 لجنة برئاسة كيرمت روزفلت مسؤول الشرق الأوسط بالمخابرات الأميركية لوضع خطة الثورة المصرية، وأن روزفلت عقد عدة لقاءات مع عبدالناصر قبل الإطاحة بالملكية.
وثائق الخارجية الأميركية عن عام 1952 عندما أفرج عنها مؤخرا أكدت أنها فوجئت بالثورة، كما أن تيم واينز في كتابه الوثائقي "إرث من الرماد.. تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأميركية" الصادر 2009 أكد أنها "فوجئت بالثورة رغم أن عدد ضباط المخابرات بالسفارة الاميركية بالقاهرة أربعة أضعاف عدد الدبلوماسيين".
كما أشار واينز لمحاولة إغراء عبدالناصر بالمساعدة في إنشاء محطة إذاعة قوية، ودعم نظامة بـ3 ملايين دولار، وحصاره بشبكة من العملاء الذين قام ناصر باعتقالهم، وأقام برج الجزيرة بجزء من الدعم.. نصبا تذكاريا للفشل الأميركي في مصر.
ثانيا: أنور السادات.. التصفية بعد فشل الحصار
عام 2005 صرحت هدى عبدالناصر بأن السادات قتل والدها لحساب السي آي أيه، مشيرة إلى ما تضمنته بعض الوثائق الأميركية من أنه كان "عميلا".
نفس الإتهام وجهه حسين الشافعي نائبه السابق بإشارته إلى ما ورد في الواشنطن بوست من أن السادات كان يتقاضى 5 الاف دولار شهريا من المخابرات الاميركية. تخرصات ليس لها أساس من حقيقة.
عندما تولى السادات السلطة في 1970 كانت العلاقات مع الولايات المتحدة مقطوعة، وكان مكتب المخابرات المركزية يعمل من قسم رعاية المصالح الاميركية بالسفارة الإسبانية. لم يحاولوا تكرار تجربة الإقتراب من السادات على نحو ما تم مع ناصر، اكتفوا باكتساب ثقته فأبلغوه بمؤامرة تستهدفه، قام على إثرها بـ"ثورة التصحيح" في 15 مايو/ايار 1971.
مبادرات السادات للسلام لم تكن وليدة ارتباط بأجهزة أو دول كما أساء البعض تفسيرها، لكنها نبعت من توجه وطني انحاز للتسوية تخلصا من استنزاف الحروب. وشعبيته لدى الرأي العام الأميركي مرجعها تقديرهم لبراغماتيته. أما حقيقة تعاونه مع الولايات المتحدة فقد شابته صعوبات خفية بسبب انحيازه للوطن وقدرته السياسية على المناورة والخداع.
استعصى مقعد الرئاسة عليهم، فحاولوا حصاره بالإقتراب من أشرف مروان مستشار السادات للمعلومات، وتخيلوا أنهم –بالتعاون مع الموساد– قد نجحوا. فقد قدم لهم معلومات بالغة السرية كجزء من عملية خداع مهني مخابراتي متطورة وبارعة.
أشرف مروان رجل المخابرات المصري كان حصان طروادة الذي شارك في نصر أكتوبر/تشرين الأول 1973، والذي ردت الدولة المصرية على محاولات تشويه سمعته بعد اغتياله عام 2007 بتأكيد "أنه كان وطنيا مخلصا وقام بالعديد من الأعمال الوطنية ولكن الوقت لم يحن لكشفها".
السادات، وبعد إنجازة لاتفاقية كامب ديفيد، توالت تحذيرات السي آي أيه من استهدافه بمعرفة التنظيمات الدينية المتطرفة. فكلفها عام 1980 بتدريب حرسه الخاص الذي كانت تدربه إحدى وكالات الأمن الخاصة "كابوتشي كوربوريشن" التي يمتلكها ضابط الاستخبارات السابق ايد ويلسون.
نيل ليفنغستون احد اكبر المسؤولين بالوكالة وصف برنامج التدريب بأنه برنامج هواة واعتبر ان مصالح المخابرات الأميركية تخضع لاعتبارات متعارضة مما انعكس على مستوى مهنية برامجها التدريبية.
ثالثا: حسني مبارك.. فساد دون خيانة
عين السادات مبارك نائبا عام 1975 وسط شائعات بأن ذلك تم بضغوط اميركية. جوزيف ترينتو الباحث المتخصص في انشطة المخابرات أشار في كتابه "قتل السادات" إلى ان مبارك كان عميلا أميركيا يتقاضى مكافأة من السي آي أيه. نفس ما رددوه عن السادات من ادعاءات مغلوطة، تعبيرا عن الحلم الاميركي في دفع احد عملائهم لمقعد الرئاسة.
هذا الزعم وجد قبولا نتيجة تورط مبارك في اعمال فساد ارتبطت بصفقات الدعم العسكري لمصر وامتدت للداخل بالطبع. وعلى ضوء ما ورد بكتاب الصحفي بوب وودوارد مفجر فضيحة ووترغيت والصادر 1987 عن الحروب السرية للمخابرات الاميركية وهو كتاب الحجاب، فقد دفع مبارك منير ثابت -شقيق زوجته- لمكتب المشتريات التابع للملحقية العسكرية بواشنطن، ليلحق به ابوغزالة كملحق عسكري، ويكونا مع مبارك وحسين سالم شركة وايت وينغز كوربوريشن التي اصبحت الناقل والمورد الرئيسي للاسلحة لمصر، وللمجاهدين الافغان.
ارتكبت الشركة مخالفات ادانتها المحاكم الاميركية، فقرر رئيس الاركان احمد بدوي سحب ابوغزالة بحجة تعيينه مديرا للمخابرات الحربية في يونيو/حزيران 1979.. لكنه لم ينفذ سوى بعد 6 شهور بتشجيع من مبارك، حتى يستكمل فصل مكتب المشتريات عن الملحق العسكري الجديد.
وفي مايو 1980 عين بدوي وزيرا للدفاع وأبو غزالة رئيسا للأركان، وفي مارس 1981 تولى أبو غزالة وزارة الدفاع بعد أن قتل بدوي و13 من القادة في حادث سقوط طائرة مريب لم ينج منه سوى طاقمها! في أبريل/نيسان 1989 طلبت المحكمة الأميركية استجواب أبو غزالة فسحبه مبارك من المشهد وعينه مستشارا.
في أغسطس/اب 1981 كلف السادات مبارك بتفعيل دوره كمنسق لأنشطة أجهزة الأمن لمواجهة تصاعد المعارضة، لكنه تذرع باستحالة ذلك في وجود الفريق الماحي رئيسا للمخابرات العامة، الذي أشار في تقرير متابعة لإحدى زيارات مبارك لواشنطن إلى بعض المقابلات التي وجد السادات تقرير مبارك عن المأمورية خاليا من ذكرها، وعندما سأله اعتذر لسقوطها سهوا فغضب الرئيس السادات وجمد نشاطه لفترة، لكن عندما عاد مبارك تخلص من الماحي بتعيينه محافظا للإسكندرية.
مبارك عومل معاملة الرؤساء خلال زيارته لواشنطن قبل 48 ساعة من مشاركته في احتفالات أكتوبر 1981 التي اغتيل فيها السادات، والذي كان قد روى لحرمه جيهان بأنه شعر خلال زيارته الأخيرة لواشنطن في سبتمبر 1981 بأنهم يريدون التخلص منه.
فترة حكم مبارك شهدت تطورا للتعاون بين أجهزة المخابرات لكنه لم يتجاوز القواعد المهنية بدليل محاولة حصار مبارك بعدد من رجال السي أي أيه (على رأسهم يوسف بطرس غالي) واستمرار حرب المخابرات (إعلان مصر خلال الثمانينات عن قضية تجسس سامي يوسف إبراهيم واصف المزدوج الجنسية – وإعلان سي أي أيه عن القبض على د.عبد القادر حلمي في قضية الكربون الأسود).
رابعا: عمر سليمان.. المرشح المرفوض
نصحت سي آي أيه عمر سليمان صراحة بعدم الترشح للرئاسة 2012 لأنه كرجل مخابرات يستحيل عليها الاقتراب المهني منه بهدف السيطرة، كما أن خبرته الأمنية يصعب معها حصاره من خلال معاونيه، ثم إن هناك ملفات يكاد يكون هو الوحيد القادر على التعامل معها (التصدي لوصول الإخوان لمقعد الرئاسة، تتبع أموال أقطاب النظام السابق المهربة للخارج، استغلال إسرائيل لبئري غاز مصريين بشرق المتوسط، قدرته على التعامل مع موضوع سد "النهضة" الاثيوبي).
كان المجلس العسكري أيضا رافضا لترشحه! وجاء استبعاده –بغض النظر عن السيناريو أو الجهة المسؤولة– ليؤكد أن سي أي ايه كانت قادرة خلال تلك الفترة على التأثير بقوة في القرار السياسي.
خامسا: رئاسة مرسي.. والانتصار الأميركي
تفريغ الإتصالات الهاتفية في قضية التخابر بين مرسي وأحمد عبدالعاطي قبل ثورة يناير/كانون الثاني2011 – والتي نشرتها صحيفة "الوطن" المصرية في 28 أكتوبر 2013 وحللها مصطفي بكري – يؤكد أن المخابرات الأميركية قد نجحت لأول مرة في تحقيق حلمها بأن يحتل أحد عملائها مقعد الرئاسة في مصر. ومنها الإعترافات الصريحة التالية:
- تساؤل مرسي عما إذا كان ضابط سي اي ايه الذي قابلة بالقاهرة هو الذي يقابله أحمد عبدالعاطي في تركيا، وعندما نفى عبدالعاطي، سأله عما إذا كانت لديه فكرة بأن زميلا له حضر للقاهرة وهل قابله من عدمه.
- تأكيد عبدالعاطي بأنهم يأتمرون بتعليمات سي آي ايه بإشارته لمحاولة إقناعهم بضرورة الموافقة على مشاركة الإخوان في الثورة حتى لا تتجاوزهم الأحداث.
- انتقاد مرسي ضعف مستوى مكتب سي آي ايه في تركيا كقناة اتصال مع الإخوان، وعندما رد عبدالعاطي بأنها الوحيدة المفتوحة مع سي آي ايه أكد مرسي أن لهم قناة أخرى مع أبو الفتوح.
- تساؤل عبدالعاطي عن إمكانية وجود قناة للحوار مع إسرائيل، رد مرسي بأن الأميركيين سألوهم منذ سنة حول إمكانية ذلك وردوا بالموافقة.
هذه التسجيلات تمت من 21-26 يناير 2011 بإذن من النيابة العامة، وفي فجر 27 يناير تم اعتقال مرسي واخرين، وأرفقتها مباحث أمن الدولة ببلاغها إلى المستشار هشام بدوي المحامي العام لنيابات أمن الدولة العليا طالبة إذن القبض في قضية تخابر وتجسس لصالح دولة أجنبية بما يهدد الأمن القومي للبلاد.
صدر أمر القبض، وتحدد 29 يناير موعدا لبدء التحقيق بعد استكمال أمن الدولة لبعض المعلومات التي طلبتها النيابة.. معنى ذلك أن دليل الإدانة في قضية التخابر كان موجودا لدى الداخلية ونيابة أمن الدولة العليا، رغم ذلك لم يعد القبض على مرسي عائقا امام توليه الرئاسة.. لم تتم تسوية وضعه.. لم تعترض أي جهة أمنية على توليه رئاسة الحرية والعدالة.. قبلت لجنة الإنتخابات ملف ترشحه.
هل كان الملف متضمنا صحيفة الحالة الجنائية فتكون الداخلية جاملت جاسوسا؟ ام كان خاليا منها وتكون اللجنة هي التي جاملته؟ ما حقيقة موقف المجلس العسكري منه في ضوء ما تسرب من وثائق عن تفضيله كرئيس تجنبا "لاحراق مصر"! هل هناك "عيب اجراءات" بالقضية (القبض قبل تصريح النيابة) وهل هذا يبرر السماح لجاسوس بتولي مقعد الرئاسة؟
وهكذا، حققت سي اي ايه حلمها بدفع احد عملائها لمقعد الرئاسة في مصر.. ثم مارست التهديد والضغوط معتمدة على من يدعمون موقفها بالحكومة وخارجها وينادون بمصالحة خبيثة مع من لا يزالون يمارسون الارهاب ضد الشعب والجيش والشرطة ومصالح الدولة.


0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
وجهتكم © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top